طوابير بالجزائر لتأمين المواد الأساسية والجنرالات يصرفون ملايير الدولارات على قضية خاسرة
مرة أخرى يتضح جليا وبما لا يدع مجالا للشك أن “كابرانات” العسكر في قصر المرادية بالجزائر، يعانون فعلا من ضيق الأفق وتعوزهم القدرة على الابتكار وبعد النظر، وأنهم فضلا عن تماديهم في استفزاز المغرب ومعاكسته في وحدته الترابية، ومحاولتهم أحيانا سرقة تاريخه وتبني تراثه وثقافته، يصرون أيضا على تقليده في جملة من القضايا الأساسية ومنافسته في عديد المجالات الرياضية والسياسية والدبلوماسية.
إذ أن عبد المجيد تبون الواجهة المدنية للنظام العسكري الجزائري الوحشي ومباشرة بعد إقدام عاهل المغرب “محمد السادس” في إطار الدعم الملكي المستمر للقارة الإفريقية على تقديم هبة للفلاحين الغابونيين متمثلة في كمية من الأسمدة تقدر ب”2000″ طن، على هامش اللقاء الذي جمعه برئيس جمهورية الغابون “علي بونغو أونديمبا”، أبى الرئيس الصوري للجزائر إلا أن يستغل مناسبة التئام القمة ال”36” لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي المنعقدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يومي 18/19 فبراير 2023 تحت شعار: “تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية” ليقرر بدوره دعم “تنمية إفريقيا” من خلال “ضخ مبلغ مليار دولار أمريكي لصالح الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية لتمويل مشاريع تنموية في البلدان الإفريقية، وهي الخطوة التي أراد بواسطتها التعبير عن قناعة بلاده الجزائر بارتباط الأمن والاستقرار في إفريقيا بالتنمية”، وفق ما جاء في خطابه الذي تلاه نيابة عنه الوزير الأول أيمن عبد الرحمان يوم الأحد 19 فبراير 2023.
وهي المساهمة التي إلى جانب كونها تكشف إلى حد ما عن نية الكابرانات في رفض انفراد المغرب بتعزيز علاقاته مع دول القارة السمراء ومحاولة تقليد النموذج المغربي على مستوى الدبلوماسية الناعمة، ناسين أن المغرب ينطلق في تعامله مع دول هذه القارة من عقيدة إنسانية تاريخية وحضارية، في حين أن دعمهم الملغوم لا يمكن اعتباره سوى مبادرة من المبادرات التي تندرج في إطار شراء مواقف سياسية وذمم بعض القادة الأفارقة من ضعاف النفوس، واستغلال هشاشة بلدانهم قصد تحقيق مكاسب جيو سياسية على حساب شعوبهم المقهورة. ولاسيما أنهم يسعون في هذه الأيام العصيبة بكل ما يملكون من قوة إلى محاولة نسف الإجراءات التي باشرها المغرب بتنسيق مع مجموعة من البلدان الإفريقية عبر “نداء طنجة” الداعي إلى طرد ميليشيا البوليساريو الانفصالية والإرهابية من الاتحاد الإفريقي. كيف لا، والنظام العسكري الجزائري الفاسد والمستبد يتوفر على سجل أسود في تبديد ثروات البلاد في الرشاوي، منذ أن كان يعتمد على سياسة البترودولار في انتزاع اعترافات الدول بجمهورية الخيام خلال القرن الماضي؟
كما أن هذه المنحة/الرشوة، أثارت الكثير من ردود الفعل الغاضبة، حيث لم يتردد عدد من الجزائريين الأحرار في التعبير عن استنكارهم الشديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، منددين بمثل هذه التصرفات الرعناء، خاصة وهم يعلمون بأنها لن تذهب لصالح تنمية بلدان إفريقيا ولا إلى شعوبها، وإنما هي في واقع الأمر واحدة من عمليات شراء الذمم المعهودة لدى شنقريحة وكافة أعضاء العصابة العسكرية المتسلطة. حيث أنه من غير المقبول أخلاقيا وسياسيا أن يقدم أي نظام عاقل ومتزن على تبديد أموال الشعب في قضية خاسرة، والحال أن الجزائريين هم الأولى برفع المعاناة عنهم جراء ما يعانون من توالي الأزمات الداخلية وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية…
فهناك مواقع إخبارية جزائرية عديدة تشجب بشدة إعلان السلطات الجزائرية عن منح مليار دولار أمريكي دفعة واحدة لما قيل عنه “تنمية إفريقيا”، ومنها من ذهب إلى اعتبار المبلغ يدخل ضمن ما يطلق عليها “دبلوماسية الشيكات” التي برعت العصابة الحاكمة في نهجها من أجل استمالة الدول الفقيرة لصالح أطروحتها الانفصالية، ثم من سمح لها في ظل انعدام الضوابط والتوازنات من مختلف الأنواع بالتصرف في المال العام، عندما منحت مثلا قرضا بقيمة 200 مليون دولار مع هبة بمليون دولار لتونس في أكتوبر 2022 وما خفي أعظم، فيما يعيش الشعب أوضاعا مزرية على عدة مستويات؟ ثم ما علاقة الشعب الجزائري بقضية الصحراء المغربية، وماذا جنى طوال العقود الماضية من بعثرة الملايير يمينا وشمالا والتشطيب على ديون عدد من الدول الإفريقية؟
إنه لمن الموجع حقا أن يتمادى “الكابرانات” في تهريب الأموال إلى الخارج وهدر مقدرات البلاد هنا وهناك في سبيل قضية باتت محسومة لصالح الوحدة الترابية للمغرب، في الوقت الذي تتصاعد فيه موجة الاحتجاجات على تدهور القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، المطالبة بالزيادة في الأجور والمعاشات والحد من غلاء الأسعار ومعدلات الفقر والبطالة. وفي ذات الوقت الذي يقضي فيه الجزائريون الساعات الطوال منذ الصباح الباكر في طوابير “العار” التي يندى لها الجبين ولا تكاد تنتهي إلا لتبدأ من جديد أمام المحلات والمراكز التجارية، يتشاركها النساء والرجال، الأطفال والشيوخ، لا لشيء سوى من أجل الظفر بحصصهم من سلع التموين كالخبز والحليب والزيت والسكر والطحين وغيره كثير.