السودان.. إنفجارات وغارات جوية ورشقات نارية
عرفت عاصمة السودان الخرطوم، اليوم الإثنين، غارات جوية وانفجارات ورشقات نارية على الرغم من هدنة جديدة لمدة 72 ساعة وافق عليها الجيش وقوات الدعم السريع، فيما حذّرت الأمم المتحدة من أنّ السودان بات على شفا “كارثة” إنسانية ومئات الآلاف قد يفرّون منه.
وقد حذّر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اليوم الإثنين، من أنّ “أكثر من 800 ألف شخص” قد يفرّون من السودان.
وكتب فيليبو غراندي في تغريدة على “تويتر”: “نأمل ألا يحدث ذلك، ولكن إن لم يتوقف العنف، فسنرى المزيد من الناس يُجبرون على الفرار من السودان بحثاً عن الأمان”.
وأفاد العديد من سكان الخرطوم بأنهم استيقظوا، اليوم أيضا، على هدير الطائرات المقاتلة، في حين تحدث آخرون عن سماع أصوات انفجارات وإطلاق رصاص في مناطق مختلفة من العاصمة التي يناهز تعدادها خمسة ملايين نسمة.
وأتى ذلك بعد ساعات من إعلان الجيش، بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو، موافقتهما على تمديد وقف لإطلاق النار كان من المقرر أن ينتهي منتصف ليل الأحد-الإثنين (22:00 ليل الأحد ت غ).
لكنّ الهدنة الأخيرة بقيت ضعيفة كسابقاتها من محاولات التهدئة التي تمّ التوافق عليها منذ اندلاع النزاع بين الحليفين السابقين في 15 أبريل، الذي أغرق السودان في فوضى حصدت مئات القتلى ودفعت عشرات الآلاف إلى المغادرة أو النزوح.
ويرى الخبراء أن اتفاقات وقف إطلاق النار تهدف خصوصا إلى ضمان أمن طرق إجلاء الرعايا الأجانب، والسماح بمواصلة بعض الجهود الدبلوماسية التي تقودها أطراف خارجية في ظل رفض القائدين العسكريين التواصل بشكل مباشر.
ومن الواضح أن كل محاولات الحلّ تصطدم بصراع النفوذ الشخصي بين البرهان ودقلو، المعروف بحميدتي، اللذين كانا قد أطاحا معاً في 2021 بشركائهما المدنيين بعدما تقاسما السلطة معهم منذ الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير عام 2019.
ودقّت الأمم المتحدة جرس الإنذار من تحوّل الوضع إلى مأساة إنسانية.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة الأممية، ستيفان دوجاريك، إنّ “الأحداث في السودان تحصل بنطاق وسرعة غير مسبوقين”، مبدياً “قلقه الكبير”.
وأضاف أنّ الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، قرّر أن يرسل “فوراً إلى المنطقة” رئيس الوكالة الإنسانية للمنظمة الأممية، مارتن غريفيث، “في ضوء التدهور السريع للأزمة الإنسانية في السودان”.
وأكد غريفيث أنه في طريقه إلى المنطقة “لدراسة كيف يمكننا أن نقدّم مساعدة فورية”، معتبراً أنّ “الوضع الإنساني يقترب من نقطة اللاعودة” في بلد كان يعدّ من الأكثر فقرا في العالم حتى قبل تفجر النزاع الأخير.
وحذّر من أن النهب الذي تعرضت له مكاتب المنظمات الإنسانية ومستودعاتها “استنزف غالبية مخزوناتنا”.
وفي بلد كان ثلث سكانه يعانون من الجوع قبل اندلاع الحرب، قرّر برنامج الأغذية العالمي أن يستأنف “أنشطته فورا” بعد تعليقها عقب مقتل ثلاثة من موظفيه خلال الأيام الأولى للنزاع.
كارثة منتظرة
تحولت الأزمة الصحية التي كان يعانيها السودان قبل اندلاع القتال إلى “كارثة بكل معنى الكلمة”، بحسب المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في منطقة شرق المتوسط، أحمد المنظري.
وأوضح المنظري أن قبل المعارك الأخيرة، “مرّ النظام الصحي في السودان كما هو معروف بسنوات من الأزمات المختلفة، مما عرّضه للكثير من الهشاشة والضعف الحقيقي؛ ضعف بكل ما تعنيه الكلمة من حيث البنى التحتية، أي المستشفيات أو مراكز رعاية صحية أولية بمختلف مستوياتها في عموم السودان”.
وتابع: “هناك فعلا نقص حقيقي في الكادر الطبي، وخصوصا بعد ظهور هذه الأزمة خلال الأسبوعين الماضيين … خصوصا الكادر الطبي المتخصص على سبيل المثال في الجراحة والتخدير”.
وأشار إلى أن “23% من المستشفيات في الخرطوم تعمل بشكل جزئي، في حين تعمل 16% فقط بكامل طاقتها”.
وأسفرت المعارك عن سقوط ما لا يقل عن 528 قتيلا و4599 جريحا، وفق أرقام أعلنتها وزارة الصحة السودانية، السبت، في حصيلة يرجح أن تكون أعلى.
ومع دخول النزاع أسبوعه الثالث، تمكّنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الأحد، من إيصال أول شحنة مساعدات إنسانية عن طريق الجو، وذلك إلى مدينة بورتسودان الواقعة على مسافة 850 كلم إلى الشرق من الخرطوم.
وأوضحت اللجنة أن الشحنة “ضمّت معدات جراحية لدعم مستشفيات السودان ومتطوعي جمعية الهلال الأحمر السوداني الذين يقدمون الرعاية الطبية للجرحى الذين أصيبوا خلال القتال”، إلا أنها لن تكفي سوى لمعالجة “1500 جريح”.
وأدت المعارك إلى نزوح داخلي وخارجي. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، انتقل 75 ألف شخص إلى مناطق أخرى في السودان، وعبر 20 ألفا على الأقل نحو تشاد وستة آلاف نحو جمهورية إفريقيا الوسطى، وغيرهم إلى إثيوبيا وجنوب السودان.
وتطال الاشتباكات 12 من الولايات الـ18 في السودان، الذي يبلغ عدد سكانه 45 مليون نسمة.
جهود دبلوماسية
يضطر سكان العاصمة غير القادرين على مغادرتها إلى الاحتماء من إطلاق النار والقصف، لكنهم يواجهون ظروفا تزداد صعوبة في ظل انقطاع الكهرباء وشحّ المواد التموينية والمياه والوقود.
ومنحت السلطات المحلية في الخرطوم موظفي القطاع العام “إجازة حتى إشعار آخر”، بينما تؤكد الشرطة أن عناصرها ينتشرون للحؤول دون أعمال النهب.
وأعلنت سلطات ولاية النيل الأبيض، جنوب الخرطوم، وصول 70 ألف نازح خلال الأيام الأخيرة إلى مخيمات أقامتها الولاية.
وعلى مدى الأيام الماضية، أجلت العديد من الدول الغربية والعربية رعاياها توازياً مع جهود دبلوماسية سعياً للحلّ.
وعقدت الجامعة العربية، الإثنين، اجتماعاً على مستوى السفراء بناءً على طلب مصر.
والأحد، شهد اجتماع وزير الخارجية السعودي، فيصل بين فرحان، مع موفد للبرهان، بينما تواصل الأخير هاتفيا مع نائب رئيس دولة الإمارات، الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، وسيقوم بزيارة إلى القاهرة الثلاثاء.
وبحسب خبراء، تُعدّ الإمارات أقرب إلى دقلو الذي سبق لها أن دعمته.
ووفق مركز كارنيغي الشرق الأوسط للأبحاث، “كلما تمكن دقلو من الحفاظ على مواقعه في الخرطوم، صار تأثيره أكبر على طاولة المفاوضات”.
خطورة في دارفور
كان دقلو قائدا لميليشيات “الجنجويد” التي شكّلها البشير لدعم قواته في الحرب الدامية التي شهدها إقليم دارفور (غرب) اعتبارا من العام 2003، في مواجهة متمردين ينتمون إلى أقليات إثنية.
وتطوّرت هذه المجموعات لاحقا إلى قوات الدعم التي أنشئت رسميا في 2013.
وبحسب الأمم المتحدة، قتل زهاء 100 شخص منذ الإثنين الماضي في غرب دارفور حيث الوضع “خطير”، وفق المنظمة الدولية.
وحذّر الأمين العام للأمم المتحدة من أن “القبائل تسعى للتسلح” في المنطقة.
وتتزايد أعمال النهب والتدمير وإضرام الحرائق، بما في ذلك داخل مخيمات النازحين، بحسب منظمة أطباء بلا حدود التي اضطرت إلى “وقف كل أعمالها تقريبا في غرب دارفور” بسبب العنف، بحسب ما قال سيلفان بيرون، نائب مدير المنظمة في السودان.