ما قيمة اعتراف “فلسطين” بمغربية الصحراء أو دعمها لعصابة “البوليساريو” ؟ وهل فعلا “فلسطين” دولة قائمة الأركان ؟
هذا المقال هو رد وتوضيح لمن يتساءل على مواقع التواصل الاجتماعي عن غياب أي اعتراف رسمي بمغربية الصحراء من طرف الفلسطينيين. في البداية سنقدم نبذة عن تاريخ من حكموا الأراضي المسماة اليوم بفلسطين ومكانتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فالشق القانوني للقيام أي دولة، وصولا إلى قيمة اعتراف “فلسطين” بمغربية الصحراء أو عصابة البوليساريو. قبل الأحكام المسبقة والجاهزة والدفاع عن الإسلام والكوفية والإخوة في فلسطين أو باقي بقاع العالم، هذا مقال لا يؤمن بالعاطفة، فهو بحث في تاريخ ما يسمى حاليا بفلسطين ووجودها التاريخي، فبدل المهاجمة المرجو البحث في هذه المعلومات بكل مصداقية، قبل الوصول إلى رأيي الشخصي. والأكيد، هذا المقال ليس دفاعا البتة عن إسرائيل.
حكام أرض كنعان أو أرض فلسطين عبر التاريخ
عبر التاريخ لم تكن فلسطين دولة قائمة بذاتها، فقد تعاقب على حكم أرض المقدس عدة سلط، فبعد حكم الخلفاء الراشدين لتلك الأرض 638-661 م، جاء الدور على الأمويين 661-750 م، فولاة الشام الذين كانوا تابعين للعباسيين والطولونيين والإخشيديين 750-946 م، ثم البويهيون في بغداد، فالفاطميون ، فالأرتقيون، فمملكة القدس 1099-1291 م، فأمراء وولاة دمشق التابعيين للعثمانيين، فالفرنسيون لسنة واحدة عام 1799 م، فولاة غزة ويافا التابعيين للعثمانيين 1818-1821 م، فمتصرفوا القدس من بشوات مصر 1832-1840 م، فمتصرفوا القدس من العثمانيين 1840-1917 م، فالبريطانيون 1917-1948 م، ثم انتقلت السلطة بين يدي رؤساء ورئاسة الوزارات الإسرائيليين من 1948 إلى يومنا هذا، قبل أن يضاف عنصر ثالث لرئاسة الأراضي الفلسطينية منذ 1994 م وهو ما يطلق عليه السلطة الفلسطينية. على العموم، الأرضي الفلسطينية عبر التاريخ لم يكن فيها نظام حكم ثابت، بل كانت مجرد أراضي خاضعة للاستعمار من طرف عدة قوى عظمى ولم يقم بها أي نظام مستقر أو خاص بها.
للمعلومة ففلسطين أخذت مفهومها الجغرافي الحالي عام 1917م بعد الاحتلال البريطاني لها في الحرب العالمية الأولى، وكانت قبل ذلك جزءا من الشام، وقد أطلق اسم فلسطين على أجزاء من فلسطين الحالية الساحلية، وشملت “أرض كنعان” فلسطين ومعظم جنوب الشام بما في ذلك دمشق. قديما، أطلق اسم أرض كنعان على فلسطين نسبة إلى الكنعانيين الذين استوطنوها في الألف الثالثة قبل الميلاد، وهم من العرب الذين هاجروا من جزيرة العرب، وأنشئوا مدناً كثيرة منها أريحا وأسدود وعكا وغزة.
الأراضي الفلسطينية بالجمعية العامة للأمم المتحدة
منذ وعد بلفور في 1917 م إلى قيام دولة إسرائيل في 1948 م، أي فترة الانتداب البريطاني، كان عدد السكان اليهود في فلسطين 56 ألفاً مقابل 644 ألف فلسطيني، أي أن اليهود كانوا 8% من السكان، ولم تتعد نسبة الأرض التي يملكونها 2% من أرض فلسطين. بعد حرب 1948، استولى اليهود 1948 على 77,4% من أرض فلسطين، أي 22145 كيلومترا مربعا، والجزء المتبقي من فلسطين وهو الضفة الغربية وقطاع غزة، احتل عام 1967، وكانت الضفة الغربية قد انضمت إلى الأردن. وفي عام 1988 اتخذ الأردن قراراً بفك الارتباط بالضفة الغربية، وأما قطاع غزة فقد شكلت فيها إدارة ذاتية مرتبطة بمصر. وفي عام 1994 تكونت السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، وذلك بموجب اتفاق أوسلو الذي وقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. وتمارس السلطة الفلسطينية حكماً ذاتياً على الضفة الغربية وقطاع غزة دون أن تنسحب إسرائيل انسحاباً كاملاً من الضفة والقطاع.
حاليا، تبلغ مساحة الضفة الغربية – بما في ذلك الجزء التابع لها من البحر الميت – 5842 كيلومترا مربعا، أما قطاع غزة فيشغل مساحة 365 كيلومترا مربعا، أما المساحة التاريخية للأراضي الفلسطينية فكانت تقدر بحوالي 27027 كيلومترا مربعا.
وعقب تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 أصدرت الجمعية العامة القرارين رقم (3210) و(3237) للعام 1974، وأكدت فيهما أن المنظمة هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، ومنحتها مركز مراقب في الأمم المتحدة. وإضافة إلى ذلك، أصدرت “ONU” القرارين رقم (160/43) و(177/43) عام 1988، واللذين نصا على أن يستعمل لفظ “فلسطين” عوضا عن “منظمة التحرير الفلسطينية”، دون المساس بوضعية المنظمة في الأمم المتحدة. وفي 29 نوفمبر 2012 أصدرت الجمعية العامة القرار رقم 67/19، الذي نص على منح فلسطين صفة “دولة مراقب غير عضو” في الأمم المتحدة.
وتعترف أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بدولة فلسطين ممثلة بالسلطة الوطنية الفلسطينية، إلا أن الأخيرة تتطلع إلى أن تصبح فلسطين عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة، سعيا للوصول إلى اعتراف دولي بدولة فلسطينية على حدود عام 1967.
بالرغم من استخدام الولايات المتحدة لحق الفيتو في مجلس الأمن الدولي في 18 أبريل 2024 لمنع صدور قرار يفتح الباب أمام منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، فإن الجمعية اعتمدت في 10 ماي الأخير قرارا بأحقية فلسطين لهذه العضوية في الأمم المتحدة صوتت لصالحه 143 دولة وامتنعت 25 عن التصويت.
الشق القانوني في قيام الدولة، فلسطين مثلا
ومن الناحية القانونية فإن الدولة صاحبة السيادة ينبغي لها أن تُحقق أربعة شروط حسب معاهدة مونتيفيديو لسنة 1933 (Montevideo Convention on The Rights and Duties of States, n.d) :أولا يجب أن تمتلك الدولة أساساً أرض (قاعدة مكانية/Territoire) لها حدود جغرافية معرَّفة؛ ثانيا وجود شعب (Peuple) مستقر على هذه البقعة الإقليمية-الجغرافية؛ ثالثا هذا الشعب يجب أن يظهر الولاء لحكومته (Gouvernement)؛ ورابعا ينبغي أن تتمتع الدولة بالاعتراف الدبلوماسي من الدول الأخرى (Reconnaissance). إلا أن هذه المعايير القانونية ليست مطلقة، بل إنها تواجه العديد من التحديات السياسية والواقعية. فعلى الرغم من الاعتراف الدولي بدولة فلسطين إلا أنها لا تتمتع بالسيطرة على مكان وجغرافيا معرفين.
ما قيمة اعتراف “فلسطين” بمغربية الصحراء أو عصابة البوليساريو ؟
قبل التفاصيل، الاعتراف بمغربية الصحراء أو البوليساريو لا يسمن ولا يغني من جوع. إن كنا قد قرأنا في بعض كتب التاريخ أو سمعنا عن الشتات الإسرائيلي، فاليوم الفلسطينيون هم من يمثلون الشتات، فإسرائيل أصبحت دولة قائمة الأركان، في حين أن فلسطين ليست دولة بما تحمله الكلمة من حمولة قانونية سواء في القانون الدولي أو الأعراف الدولية، أو العلاقات الدولية، كما لا تتمتع بعضوية كاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة (ONU).
بالإضافة إلى هذا، لا توجد أي سلطة موحدة وقوية بفلسطين، فبين حركة فتح وحركة حماس، أو السلطة الفلسطينية، لا نعلم من يتحكم في رقعة الشطرنج مقتسمة الأطراف.
فعندما نرى سفيرة فلسطين بفرنسا، هالة أبو حصيرة تحضر لحفل نظمت سفارة الجزائر بفرنسا احتفالا باستقلال الجزائر بحضور ممثلين عن عصابة البوليساريو، أو تصريحات حنان عشراوي، الوزيرة السابقة في السلطة الفلسطينية، حين قالت أن “جميع دول العالم لا تعترف للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية” وأن “اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء انتهاك لقرارات الأمم المتحدة التي تمنح الصحراويين حق تقرير المصير”، وغيرهم الكثير ممن يتهجمون على وحدة المملكة، لا أجد مانع في الدفاع عن وطني وبلي بكل شراسة وإن كان ذلك بالمرور على كوفيتهم.
يبقى السؤال لماذا عدد من القادة الفلسطينيين يدعون إلى قيام دولة عصابة البوليساريو داخل التراب الوطني المغربي ؟ التفسير الوحيد هو لأنه ليس لهم أرض أو إقليم متحد لقيام دولة فلسطين حيث أن إقليم أو أرض إسرائيل تفصل بين الضفة الغربية وغزة. فهم يدعمون قيام البوليساريو على الأراضي المغربية لتعليل قيام دولتهم على أرض دولة أخرى.
إن كانت بعض الجهات في المغرب، خاصة الجماعات “المتأسلمة” كالعدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية، قد جعلوا من الدفاع عن القضية الفلسطينية فرض عين وليس فقط فرض كفاية، فأنا هنا أدافع عن وطني، من الأوغاد الذين يجوبون الشوارع، صباحا ومساءا، بكوفيات وكيف حولوا مواقع التواصل الاجتماعية إلى منصات لتهديد بالقتل من يخالف توجهاتهم الموقعة من إيران وحزب الله والهادفة إلى “أخونة” المجتمع المغربي.