العفو الملكي بين مأسسته والتهافت من أجل الحصول عليه عبر نافذة تجار “الأدسنس”
مع الاقتراب من كل عيد أو مناسبة دينية كعيدي الأضحى والفطر أو ذكرى المولد النبوي، أو أي عيد وطني، مثل عيد العرش، يكثر الحديث عن طلبات العفو بالنسبة لمن هم متابعون بأحكام قضائية أو يقضون عقوبات سجنية أو عليهم غرامات مالية، ويكثر نشر فيديوهات لعدة أشخاص عبر قنوات التواصل الاجتماعي لالتماس هذا العفو لذويهم وأقاربهم. سنحاول من خلال هذا المقال تقريب القراء من العفو الملكي وكيفية الاستفادة منه والجوانب التي يشملها.
حسب الفصـل 58 من دستور المملكة يمارس الملك حق العفو، ويمكن إصدار العفو سواء قبل تحريك الدعوى العمومية أو خلال ممارستها أو على إثر حكم بعقوية أصبح نهائيا. يعتبر الظهير الشريف رقم 1-57-387 بشأن العفو الصادر سنة 1958، قبل التعديلات التي شهدها مع مرور الزمن، هو المرجع في العفو الملكي إذ حدد جميع النقط التي تخص هذا العطف الملكي تجاه شريحة من المجتمع ممن يعانون من متابعات قضائية.
على العموم، لا يشمل العفو إلا الجريمة أو العقوبة التي صدر من أجلها ولا يحول بأي وجه من الوجوه دون متابعة النظر في الجرائم أو تنفيذ العقوبات الأخرى في حالة تعدد الجرائم أو تجمع العقوبات المضاف بعضها إلى بعض، كما لا يشمل العفو الغرامات الصادرة بطلب من الإدارات العمومية والمصاريف العدلية والعقوبات التأديبية الصادرة عن المنظمات المهنية وكذا الإجراءات التربوية المتخذة ضد القاصرين المجرمين، كما لا يجرى العفو على تدابير الأمن العينية، وفي الأخير يصدر العفو الفردي إما مباشرة وإما بطلب من المحكوم عليه أو من أقاربه أو أصدقائه ومن النيابة العامة أو المندوبية العامة الإدارة السجون وإعادة الإدماج.
بعد تقديم الطلب، تقوم لجنة العفو، والتي تضم وزير العدل أو مفوضه بصفة رئيس، المدير العام للديوان الملكي أو مفوضه، الرئيس الأول لمحكمة النقض أو ممثله، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أو ممثله، مدير الشؤون الجنائية والعفو، والمندوب العام الإدارة السجون وإعادة الإدماج…، بدراسة المطالب والمقترحات سعيا منها الحصول على جميع المعلومات لإبداء رأيها قبل رفعها إلى الديوان الملكي، وتكون الكلمة الأخير لجلالة الملك، قبل التنفيذ من طرف وزير العدل.
الظهير الشريف والتعديلات التي تلته لم تدع مجال للشك في كيفية الاستفادة من العفو الملكي أو الشروط التي يجب التوفر عليها، لكن من نعيشه اليوم من لغط وتهافت الناس على الاستفادة من هذا الكرم الملكي يجعلنا نتساءل فعلا عن أحقية البعض منهم في الاستفادة من هذا العفو أو لا، بل الأخطر هناك صفحات على اليوتوب أصبح أصحابها عرابي هذا الطلب، وفتحوا الباب لكل من يريد رفع صوته لاستفادة قريب له من هذا العفو الملكي.
كل من ينشر فيديو له، يبدأ بالبكاء – صراحة يؤلمنا أن نرى الناس محبوسين بين أربعة أحيط، لكن وجب التذكير أنهم هناك بما اقترفت يداهم – فيتوجهون بخطاب مباشر للملك من أجل طلب العفو، وبعيدا عن الإقرار بالتهم التي يتابع فيها أقاربهم وهل لهم الحق في الاستفادة أو هل يحققون شروط الاستفادة، يبدؤون بقول أن أقاربهم في حالة مرضية صعبة وأنهم يعانون نفسيا من السجن أو أن لهم أبناء خارج السجن، وأنهم كبار في السجن، ولا يهم سلوكهم داخل السجن، أو المدة الحبسية التي قضوها، ولهذا ولذاك يجب عليهم الاستفادة من هذا الكرم الملكي.
ما هكذا تورد الإبل…
للتذكير، بلغ عدد المعتقلين متم سنة 2023 ما مجموعه 102 ألف و653 سجينا وسجينة، 2.47 في المائة منهم إناث، 37.56 في المائة معتقلون احتياطيا، وفق تقرير الأنشطة الخاص بالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج لسنة 2023. ويشكل الشباب الأقل من 30 سنة، وفق التقرير ذاته، 47.68 في المائة من الساكنة السجنية، بينما يشكل المسنون 2.19 في المائة، أي حوالي 2248 سجين من المسنين. في غياب أي نسبة مئوية أو رغم عن عدد المرضى داخل السجون، لكن هذا لا يكمن إلغاء وجود نسبة مئوية مهمة من هذه الفئة.
يبقى السؤال، هل الفئتين الأخيرتين أولى بالعفو الملكي من غيرهم ؟ وما هي الأسس التي أقيم عليها هذا الاختيار، هل فقط إنساني ؟ أليس هناك من يدافع عن باقي المساجين، وهل لا يستحقون الاستفادة من العفو فقط لأنهم بصحة جيدة وضمن فئة عمرية شابة ؟
كفانا مزايدات على العفو الملكي عبر قنوات “الأدسنس” والسعي وراء عائدات الفضاءات الإفتراضية على الأنترنت ونشر البكائيات والتوسلات. إن كانت الأهالي مكلومة من سجن عزيز أو عزيزة، فهناك مسطرة يجب إتباعها وإن تحقق الشروط فيه أو فيها، أكيد أن هذا الشخص سيستفيد من العفو، هذا مع احترام مبدأ تكافئ الفرص، فلا سجين أحسن من الآخر، وسجون المملكة مكتظة عن آخرها والكل يحلم بفرج قرب.