كفوا عن مقارنة المغرب بالجزائر، فلا تاريخهم ولا حاضرهم شرف للمقارنة
انتشرت في الآونة الأخيرة، على مواقع التواصل الاجتماعي، ظاهرة غريبة تتمثل في مقارنة المغرب بالجزائر في عدة مجالات والقول أو الإدعاء أن هذا البلد متفوق على هذا البلد أو هذا أحسن من هذا أو أن الجزائر حصلت على ميدالية ذهبية في كذا أو كذا عكس المغرب.
هل أصبحت كل طموحاتنا أن نكون أحسن من الجزائر، ما هذا الهراء؟ ما الذي يميز الجزائر حتى تكون قدوة يحتذى بها أو نموذجا للبلد الصناعي المتقدم الذي نطمح لمحاكاته أو التفوق عليه ؟ لا شيء، فالمقارنة بنيت على باطل ولا جذوى منها البتة، لأن لا تاريخهم ولا حاضرهم فيه شيء يستحق المقارنة.
لا شيء يستحق الذكر في تاريخهم، لأن الجزائر لم تكن غير بقعة أرض تعاقبت عليها القوى الاستعمارية منذ الأزل. ببحث صغير نجد أنها كانت مستعمرة رومانية في سنة 145 قبل الميلاد، ثم غزاها الفاندال (أو الوندال، وهم من القبائل الجرمانية الشرقية) تقريبا سنة 440 م، بعد ذلك غزاها العرب حوالي 650 م، ثم وقعت تحت سيطرة العثمانيين عام 1536 م، قبل أن تحتل من طرف فرنسا في عام 1830 إلى حدود 1962، أي 130 سنة، بل كانت مقاطعة فرنسية وليس دولة مستعمرة. بعبارة أوضح الجزائر التي نعرف هي صناعة فرنسية خالصة.
بعد الاستقلال في 1962، أي بعد ظهور الجزائر الحديثة، ما هي أكبر إنجازاتها أو المشروع السياسي الذي يميزها عن غيرها ؟ لا شيء يذكره التاريخ غير العشرية السوداء أو الحرب الأهلية التي عاشها هذا البلد في تسعينيات القرن الماضي (دجنبر 1991- فبراير 2002)، ويطلق عليها أيضا مستنقع الدم لكثرة عدد الضحايا، بالإضافة إلى المساهمة في زرع لغم عصابة البوليساريو لضرب وحدة المغرب الترابية، هذا البلد الذي كان لهم عونا في الحصول على الاستقلال وسندا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. هذا دون الحديث عن ملحمة الشهداء، الذين اختلف عددهم بين المليون والنصف والخمس ملايين، أو ما يزيد، أو المرور على ذكرى الجماجم بفرنسا.
فذكر الجزائر كبلد، أصلا لا يصلح للمقارنة، فلا شيء يميز هذا البلد الغني بالخيرات الطبيعية، لكن النظر إليه يحيل على بلد فقير، لا مدن كدول الخليج، لا صناعة ولا سياحة ولا ثقافة تذكر. ببساطة، لا تاريخ، لا حاضر، وربما لا مستقبل يظهر في الأفق.
ماذا سنحقق إن كان أكبر طموحنا كمغاربة أن نفوز بميداليات أكثر من الجزائر أو أن يعبر رياضي أو فريق مغربي إلى الدور القادم من مسابقة رياضية على حساب شخص أو فريق جزائري، أو حتى أن نكون أول من وصل إلى نصف كأس العالم لكرة القدم في قطر 2022 وأن الجزائر لم تتأهل أصلا لهذه الدورة.
يجب أن يكون لنا مشروع وتطلعات أكبر من أن نقارن مع من حشرنا الله معهم في الجوار. يجب أن نرفع سقف التحدي وأن يكون أكبر هاجس لنا في هذه الحياة أن المغربي يجد كيس الحليب عند البقال عوض المواطن الجزائري، أو أننا نأكل الموز وهم لا. هذا نقاش عقيم لا يسمن ولا يغني من جوع.
المغرب حضارة وتاريخ، ملكية تعتبر من الأعرق تاريخيا. نريد بلدا ومواطنين يعتبرون أن TGV بين الدار البيضاء وطنجة ليس إنجازا، بل أن هذا فقط مشروع حقق، ونطمح إلى “تيجيفيات” أخرى تربط بين شمال المغرب وجنوبه، وبين شرقه وغربه ونريد طرق سيار جديدة وقطارات بين كل ربوع المملكة، بل حتى مستشفيات وجامعات وكل المرافق المهمة.
مشاريعنا ليست كناية في الجزائر، بل نحن في إطار مواصلة كتابة تاريخنا وهذا أهم من أن نحشر أنفنا في نقاشات عديمة الجدوى لن تسير بنا إلى الأمام.
نريد من المواطن المغربي أن يدير ظهره لهذه البهرجة الإعلامية الافتراضية وأن ينظر إلى الأمام بكل صدق وأن يساعد كل من جهته في بناء المغرب الغد.
غدا سننظم كأس إفريقيا للأمم، وبعد غد سيكون العالم ضيفا عندنا عندما نستقبل كأس العالم نسخة 2030 رفقة كل من إسبانيا والبرتغال. لهذا يجب أن ننظر إلى الأمام وأن تكون تطلعاتنا أكبر من حبة موز أو كيس حليب، بل بنية تحتية كما في دول العالم المتقدم.