ماذا لو ألغي العفو الملكي بمناسبة ذكرى 20 غشت أو ما بعدها من المناسبات؟
ظهرت في الساعات الأخيرة مقالات عديدة تتحدث عن إمكانية استفادة عدد من المساجين، خاصة على المعتقلين على خلفية أحداث الريف، بعفو ملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، المحتفل بها في 20 غشت من كل سنة. ويبقى السؤال، ماذا لو قُرر إلغاء هذه المبادرة الإنسانية لما تبقى من سنة 2024؟ هل سيكون هناك انتصار لطرف على آخر ؟ هل سيكون على الملك تصحيح أخطاء غيره ؟ أليس الإعفاء عن أكثر من ألفين مستفيد عادة سيئة وعوض أن تعم الفرحة، هناك من يطالب بفتح نقاش عمومي حول العفو؟ هل كان الإعفاء عن مسجون وحيد في اسم محمد زيان، دون إطلاق سراح بوعشرين والريسوني والراضي، كافي ليرسم البسمة على أوجه كل من متضامن مع ما يسمى ب”معتقلي الرأي”؟ لماذا كل هذا العبث في العفو عن المساجين؟ هل كان العفو عن حالة أو حالتين كافي لنعث العفو الملكي بالمبادرة الإنسانية؟ الأكيد لن يرضوا وسيجدون دائما سورا قصيرا ليركبوا عليه من أجل الكلام والانتقاد، فلا عفو وحيد يعنيهم، ولا ألف يشفي غليلهم.
يندرج هذا المقال ضمن مشهد سريالي للصحافي يونس مسكين، بتاريخ 15 غشت 2024، على الموقع الإلكتروني “صوت المغرب The Voice” تناول من خلاله العفو الملكي الأخير الذي استفاد منه عدد من الصحافيين والمدوّنين والنشطاء، حيث عمد على إخراجه من بوابة المبادرة الإنسانية وجعله فقط “تصحيح الأخطاء من طرف الملك” وتساءل بعدها “هل يريد البعض أن يقول للملك إنك أخطأت؟”. وأضاف “الخطأ واضح ومعروف: مواطنون مغاربة تعرضوا للظلم ومسّت حقوقهم الدستورية والإنسانية عبر اعتقالات ومحاكمات افتقدت إلى ضمانات العدالة”.
طبعا، بالعودة إلى الأسماء التي لم يذكرها يونس مسكين، فهو تحدث ضمنيا عن توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي ورضا الطاوجني أو سعيدة العلمي ومحمد زيان، فبعيدا عن ذكر الاسم الأخير، ما تبقى يعتبرون موضوع نقاش العفو.
في إطار تصحيح الأخطاء، لنا أن نتساءل هل الملك صحح أخطاء بوعشرين والريسوني والراضي وغيرهم من المستفيدين من العفو، أم صحح أخطاء النيابة العامة والقضاء ؟
هل الملك صحح خطأ عمر الراضي في حق “ح.ب”، أم صحح خطأ القضاء في حقه ؟ ألم يعترف الظنين نفسه بممارسة الجنس مع من تابعته قضائيا ؟ صراحة، أجد صعوبة في تحديد من أخطأ هنا، ربما الضحية هي من أخطأت برفع دعوى قضائية، بل كان عليها ترك الأمر يمر بسلام في إطار “حشومة تابعي قضائيا صحافي استقصائي”.
هل الملك صحح أخطاء بوعشرين في حق الفقيدة “أ.ح” وحق كل من “و.م” و”س.ل” و”ن.ل” وغيرهن، أم هو تصحيح لأخطاء القضاء في حق السي توفيق ؟ ربما هو خطأ الزميلات اللواتي تقاسمن، في يوم ما، نفس المكاتب مع بوعشرين وما كان عليهن التبليغ عن مشغلهن ومصدر رزقهن. ما هذا الجحود في نكران الجميل في حق من وفر لهن رزق لقمة العيش وربما تشاركن معه “لملحة وطعام”.
بعيدا عن تصحيح الأخطاء، ولنعود قليلا إلى الوراء، في قضية توفيق بوعشرين، ألم يكن يونس مسكين على علم أن مديره وصديقه مذنب و أن التهم ثابتة في حقه، لأنه لا يمكن لصحفي يحترم مهنته واخلاقيات مهنته ويحترم نفسه قبل أي شيء أن يتغاضى عن أحاديث أروقة ودهاليب عمارة الحبوس في محج الجيش الملكي، مقر الجريدة . ألم يكن هناك همس بين بعضكم أو لم تكن تلك المكاتب حبلى بالإشعاعات والقول والقيل حول ما يحدث في مكتب السيد المدير ما أن ترخي السماء بظلال الليل؟ لا أعرف ما قيمة الصحافي والادعاء بصحافة الاستقصاء والحصول على السكوبات من مشارق الأرض ومغاربها والصحافي لا يعرف ما يقع في مكتب بالطابق الذي يعلوه. يونس مسكين يعرف أن مثل هذه الأخبار تنتشر كالنار في الهشيم، فقط هو “كان مداير عين ميكة من أجل المنصب”.
هل صحح الملك خطأ الريسوني في حق “م.أ”، أم هو تصحيح لأخطاء الشرطة والنيابة العامة والقضاء في حق سليمان؟ ربما هو خطأ النزوة التي تحولت من الممارسة بين ذكر وأنثى إلى محاولة الاستمتاع باللواط، أو ربما هو خطأ القاضي في التقدير مع ثبوت الجنحة. ربما هو خطأ الدولة في تجريم العلاقات الرضائية كيفما كانت أطرافها…
أو المتضامنين في القضايا الثلاث، أي ملفات بوعشرين والريسوني والراضي، سواء إبان الاعتقال أو عند استفادتهم من العفو الملكي، لم يتطرقوا إلى ثبوت الأدلة سواء المادية أو العلمية في القضايا الثلاث، بل كانوا يركزون فقط على “Les vices de procédures” أو ما يمكن تسميته بالعيب المسطري أو خلل في الشكل.
يعني هيئة الدفاع، في القضايا الثلاث والتي كانت تضم تقريبا نفس الأسماء من أصحاب البذلة السوداء، كانت تركز على العيوب المسطرية لتبرئة الصحافيين الثلاث من التهم وترافع على براءتهم من التهم نفسها، يعني أن هيئة الدفاع كانت تحاول “إخراج الشوكة من القدم دون أي يسيل الدم”، وهذا حقها لأن المحامي البارع ليس هو من يحفظ النصوص القانونية عن ظهر قبل، بل من يتقن عيوب القانون والتشريعات القضائية.
التحليلات السريالية ليونس مسكين وغيره من إسلامويين ويساريين والمتاجرين بقضايا حقوق الإنسان ما هي إلا محاولة جديدة ويائسة لإخراج العفو الملكي عن سياقه التاريخي كمبادرة إنسانية لتمتيع بعض المساجين من عدم إكمال العقوبة الحبسية المتبقية لهم أو غرامات نتيجة ما اقترفت أيديهم، فالعفو الملكي لا يقر بأي حال من الأحوال ببراءة أي أحد مما أدين من أجله ولا يضر بحقوق الطرف الآخر. أبعد ذلك، هي محاولة جديدة للمساس بصورة الملكية والطعن في القرارات التي يتخذها الملك، لأنهم يدركون أن إضعاف المؤسسة هو الحل الوحيد للنيل منها..