5 تناقضات جوهرية في تصريحات عبد المجيد تبون
أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، حوارا مع جريدة “لوبينيون” الفرنسية، تناول فيه العديد من المواضيع والقضايا المهمة على المستوى المحلي والدولي، حيث شكل هذا الحوار فرصة للتحدث عن السياسات الخارجية للجزائر وتوجهاتها المستقبلية، فضلاً عن موقفها من القضايا الإقليمية والدولية.
إلا أن الملاحظ في هذه الخرجة الإعلامية، الارتباك الواضح الذي ميّز “عمي تبون” و التناقضات الصارخة في التصورات و التلون “الحربائي” في المواقف بالمقارنة مع ما كان يدعيه سابقا، الشيء الذي أثار العديد من التساؤلات حول مدى استقرار وتماسك السياسة الجزائرية تحت قيادته.
عبد المجيد تبون حاول تبني مواقف مرنة تتماشى مع تطورات الأحداث العالمية بغية التكيف مع التغيرات السريعة في المشهد الدولي مما يبين حاجة الجزائر الملحّة للحفاظ على توازن في علاقاتها مع القوى الكبرى. و فيما يلي، نستعرض عليكم 5 مفارقات لافتة ميزت الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حواره مع جريدة “لوبينيون” الفرنسية، حيث تكشف هذه التناقضات عن التباين بين التصريحات الرسمية والتحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها، مما يضيف بُعدًا معقدًا لفهم توجهات السياسة الجزائرية في هذه المرحلة.
تلطيف الأجواء مع فرنسا :
أول إشارة نلتقطها في هذا الحوار هي اختيار عبد المجيد تبون لمنبر إعلامي فرنسي لإجراء مقابلة رفقته و هو ما يمكن اعتباره خطوة استراتيجية من القيادة الجزائرية لتليين المناخ العام في علاقاتها مع باريس بعد التوترات الغير مسبوقة التي طبعت علاقتهما في الآونة الأخيرة، هذه التوترات جاءت على خلفية القرار التاريخي الذي اتخذته فرنسا بالاعتراف بمغربية الصحراء.
إمكانية التطبيع مع إسرائيل :
يبدو أن خطاب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد شهد تحولًا ملحوظًا في موقفه تجاه قضية التطبيع مع إسرائيل، حيث لطالما عبر سابقا عن رفضه القاطع لكل شكل من أشكال التقارب مع الدولة العبرية مؤكدًا أن الجزائر لن تكون جزءًا من أي عملية تطبيع تحت أي ظرف، كما سبق له الإعراب عن استنكاره حينما قررت المغرب إعادة علاقاتها مع إسرائيل.
إلا أن المفاجئة التي جاء بها حوار “لوبينيون” هي تراجع تبون عن كل مواقفه الماضية بإشارته أنه على استعداد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل شريطة قيام دولة فلسطينية كاملة و هو ما فتح المجال للشكوك حول ما إذا كان هذا التحول يعكس تغييرا حقيقيًا في السياسة الجزائرية أم مجرد تكتيك دبلوماسي مرتبط بصعود الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب.
تقلبات في الأزمة السورية :
دائما ما كانت الجزائر حليفا و داعما أساسيا لنظام الرئيس السوري الأسبق، بشار الأسد، إذ تم التعبير عن ذلك في عدة مناسبات، خاصة فيما يتعلق بعودة سوريا الأسد إلى جامعة الدول العربية وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، و على الرغم من أن عبد المجيد تبون ادّعى في حواره الأخير تشجيعه للحوار قصد حلحلة الأزمة السورية و رفضه للمجازر التي ارتكبها بشار الأسد بحق الشعب السوري، إلا أن الحقيقة تقول عكس ذلك، فقد كان ساكن قصر المرادية من أشد المساندين لهذا النظام وذلك بإرسال خبراء وأسلحة ومقاتلين لمؤازرته ميدانيا مع وصف المعارضين بـ “الإرهابيين”.
الجزائر طرف في قضية الصحراء المغربية :
من الإيجابيات التي حملها حوار عبد المجيد تبون الأخير، سقوط كذبة “الجزائر ليست طرف” في قضية الصحراء، و ذلك حينما اعترف تبون أنه حذّر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من اتخاذ قرار مؤيد للمغرب في قضية الصحراء المغربية، واصفا الأمر إن حدث بـ “الخطأ الفادح” من وجهة نظر الجزائر، الشيء الذي أبان بما لا يدع مجالا للشك أن الجزائر طرف فاعل و محوري في هذا النزاع غير أنها تسير في اتجاه إطالة أمده و الصراع من أجل تقسيم المغرب.
التهرب من دعم الإرهاب في مالي :
في سياق حديثه عن الأوضاع الإقليمية، و محاولة منه النأي بنفسه و ببلاده عن الاتهامات الصريحة الموجهة لهم من طرف دولة مالي، عرّج تبون على التوترات التي تشهدها حدود بلاده الجنوبية، نافيا تقديم أي شكل من أشكال الدعم للمنظمات الإرهابية التي تنشط بهذا البلد، إلا أن تصريحات تبون في حقيقة الأمر، تناقضت مع كل المعطيات و الدلائل المادية التي سبق لوزارة الخارجية المالية أن قدمتها و التي تُدين فيها الجزائر بالتدخل في شؤونها الداخلية و تمويل الجماعات المتطرفة و هو ما حذا بباماكو للانسحاب بأثر فوري من اتفاقية السلام الموقعة مع الجزائر عام 2015.
ختاماً، فإن المستشف من حوار عبد المجيد تبون مع جريدة “لوبينيون” أن النظام الجزائري سيظل أسير التناقضات والشعارات الجوفاء، وذلك في انعدام رؤية واضحة و جلية لمستقبل البلاد دبلوماسيا، اقتصاديا و اجتماعيا، كما أظهر العديد من التباينات التي تعكس حالة من الغموض والازدواجية في سياسات دولة العسكر.