الجزائر بين صناعة الأزمات و إنتاج الفشل

في زيارته الأخيرة إلى سوريا، عاد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إلى بلاده حاملًا في حقيبته خيبة أمل جديدة، تنضاف إلى النكبات الدبلوماسية الجزائرية و التي بلغت مستوى غير مسبوق من الضعف، فقد قدِم عطاف إلى بلاد الشام قصد التفاوض على استلام الجنود الجزائريين وبعض مرتزقة البوليساريو المعتقلين في سجون المعارضة، غير أنه اصطدم برفض قاطع من قبل رئيس المرحلة الانتقالية الجديد، أحمد الشرع، الذي أصرعلى أن هؤلاء العساكر الذين يتكونون من رتبة لواء وحوالي 500 جندي و عناصر من الجبهة الانفصالية، وجب أن يتابعوا و يحاكموا على ما ارتكبوه من جرائم في حق الشعب السوري و سيعاملون وفق القواعد الدولية المنظمة لمعاملة أسرى الحرب شأنهم في ذلك شأن بقية عناصر جيش نظام بشار الأسد البائد.
و بالرغم من أن أزلام قصر “المرادية” وفور خروج هذه المعلومة “الصادمة” عملوا ما أمكنهم على تبخيسها و المسارعة نحو نفيها، إلا أن التأكيد جاء في عدد من المصادر الموثوقة مثل إذاعة “مونتي كارلو الدولية” و “تلفزيون سوريا” الذين أثبتوا بما لا يدع مجالا للشك أن الخبر لم يكن محض إشاعة أو مجرد ادعاء عابر، و أن أحمد الشرع، امتنع بالفعل عن تلبية طلب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون استلام الجنود الجزائريين و زمرة من مرتزقة البوليساريو.
التوتر والارتباك الشديدين الذين ظهرا جليين على وجه أحمد عطاف في الندوة الصحفية التي تلت هذا اللقاء، يمكن اعتبارهما تجسيدا حقيقيا لحجم الأزمة الدبلوماسية التي يعيشها النظام الجزائري الذي راهن على الحصان الخاسر في هذه اللعبة، بحيث كانت كل كلمة ينطقها، وكل حركة يقوم بها، تدل على أنه كان يدرك جواب نظيره السوري سلفاً مما يرسخ تراجع نفوذ الجزائر وضعف مواقفها السياسية.
الأدهى من ذلك، أن وكالة الأنباء الجزائرية وبدل أن تعترف بزلة بلادها حينما ساندت الديكتاتور بشار الأسد ووصفت في بلاغاتها المعارضين بـ “الإرهابيين”، فضلت تحميل المسؤولية كعادتها للمغرب الذي لا ناقة له و لا جمل في هذه “الحريرة” و الذي بقي موقفه ثابتا منذ البدايات الأولى لاندلاع الثورة السورية، كما قامت وسائل الإعلام الحكومية بتوجيه حملات إعلامية “مضللة” قصد التقليل من تأثيرات هذه الورطة، باستخدام عبارات رنانة مثل الحكمة والتوازن و عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى واحترام السيادة الوطنية.
هذه السقطة الدبلوماسية الذريعة لم تكن الأولى من نوعها لبلاد “الشوهادا”، إذ سبقتها هفوات أخرى كانت الجزائر المبادرة لاختلاقها أبرزها الأزمة التي اندلعت مع فرنسا مؤخرا على خلفية اعتراف هذه الأخيرة بمغربية الصحراء على لسان الرئيس إيمانويل ماكرون في زيارته للمغرب، زيادة على التوتر الذي حصل مع إسبانيا قبل سنتين لنفس السبب، ناهيك عن إخفاقها في الانضمام لعدد من المنظمات و التكتلات مثل البريكس، الكاف و مجلس السلم و الأمن للاتحاد الإفريقي.
الجزائر أصبحت مؤخراً تترنح تحت وطأة سياسات ضبابية لا تملك معها رؤية واضحة ولا أهداف استراتيجية، كما لم تتمكن من الحفاظ على نفوذها الإقليمي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث تراجعت قوتها مقارنة بدول مثل المغرب ومصر، و الدليل يتجسد في المعاملة التي تلقتها دولة بحجمها من طرف رئيس معين حديثا (أحمد الشرع) و هو ما يعني أن مقدار التأثير الدبلوماسي الجزائري أصبح محدودًا للغاية.
و في الوقت الذي يتدهور الجانب الدبلوماسي بشكل مخيف في الجزائر التي تعيش في “عالم آخر” كما وصفها الملك محمد السادس في خطاب الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، تواصل الرباط الاشتغال في صمت و تعزيزعلاقاتها الدولية وتنظيم تحالفات نموذجية، على اعتبار أن المغرب في السنوات الأخيرة استطاع أن يبرم اتفاقيات مع العديد من القوى الدولية كالصين و الولايات المتحدة و روسيا و الاتحاد الأوروبي، و إشرافه على مبادرات و مشاريع استراتيجية على غرار “الطريق إلى الأطلسي” و كذا “أنبوب الغاز المغرب/نيجيريا” بل ونجح في إبراز نفسه كداعم رئيسي لاستقرار المنطقة، في حين لا زالت الجارة الشرقية غارقة في مآزق داخلية وخارجية لا تستطيع معها حماية مصالحها سواء في محيطها الإقليمي أو أن تجد لها موطئ قدم في المنظومة الدولية.
لم يعد خافيًا على أحد أن الجزائر و رغم محاولاتها المستمرة لتقديم نفسها كقوة إقليمية، تعيش واقعًا يتناقض تمامًا مع التصورات الطوباوية التي تسعى قياداتها الترويج لها و أن وزير الخارجية أحمد عطاف عاجز عن تقديم تصور واضح وفكرة دقيقة للنهوض بعمل الدبلوماسية الجزائرية نتيجة ارتهانها لرغبات جنرالات الجزائر الذي ظلوا لعقود يعيقون تطور السياسة الخارجية للبلاد التي لا تعرف من أين تبدأ و كيف تنتهي.