زاوية الرأي

هشام جيراندو و “الديستي”.. روايات بلا أسانيد و فبركات بدون تأكيد

في خضم الأعطاب النفسية التي قد تصيب الإنسان عند اقترابه من الحٌمق، يبرز نموذج هشام جيراندو كحالة فريدة تستحق التأمل، لا لفرادة أطروحاته، بل لغرابتها وتفردها و انحدارها في سراديب الوهم، حينما بلغ به الهوس بجهاز المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، المعروف اختصاراً بـ”الديستي” إلى جانب المسؤول الأول عن هذه المؤسسة عبد اللطيف حموشي، حدّاً يثير الشفقة ناسجا حولهما أساطير تفوق في عبثيتها ما جادت به قريحة أبرز كتّاب الخيال العلمي.

و حتى لما سعى جاهدا لإقناع الآخرين بخطورة جهاز “الديستي”، لم يزد جيراندو إلا في تدمير صورته المهزوزة أصلاً و ترسيخ هشاشة كيانه، إذ يظهر كالمختل الغارق في جنون الارتياب، يرى في كل نظرة تهديدًا، وفي كل سؤال محاولة تجسس، وفي كل إنجاز مؤامرة مدبرة حتى تكاد تحركاته تبدو و كأنها مسرحية عبثية تؤديها شخصيات من نسج خياله الضيق، يجسد فيها جهاز “الديستي” شخصية الوحش الذي يلتهم كل من حوله.

جيراندو الذي لم يستطع تقبّل فشله أو مواجهة حقيقة أفعاله الجرمية، لجأ إلى اختراع عدو وهمي يعلّق عليه كل إخفاقاته و يحمّله مسؤولية تعثّره وتراجع حضوره وضعف تأثيره و فشل مشاريعه، وكأن وجود هذا “العدو” يمكنه تبرير عجزه و عدم خروجه من منطقة الراحة zone de confort التي يتميز بها كل من يجرب حلاوة دور الضحية.

لم يكتفِ صاحب قناة “تحدي” بكل ما سبق أن هلوسه من قبل، بل رفع من مستوى الخيال ليروج لمعلومات غير صحيحة مدعيًا أن “الديستي” نفذت عملية سرية تُسمى “فارغوت” في موريتانيا بهدف ابتزازها و هي المعلومات التي لا تستند إلى أي دليل موثوق كما تفتقر إلى أساس واقعي ولا تتطابق مع أي تقارير رسمية و إنما محض خيالات ناتجة عن حالة جيراندو النفسية.

زعيم عصابة المشهّرين اكتشف ربّما وسيلة سريعة لشحن بطاريات حضوره الرقمي المتهالك حينما عجزت فيديوهات الموضة أو شرح طرق الإقامة في كندا عن تحقيق المراد و ذلك حينما أدار البوصلة للافتاء في موضوع الأجهزة الأمنية و الحديث عن عمليات استخباراتية لا يراها أحد سواه، حتى ليخال للمرء أن موظفي “الديستي” لا شغل لهم سوى تتبع أنفاس المغاربة.

والحقيقة أن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، المعروفة اختصاراً بـ”الديستي”، ليست جهازاً يشتغل تحت وطأة الأوهام الشخصية أو ينجرّ خلف هلوسات الأفراد، بل هي مؤسسة أمنية سيادية تعمل وفق قوانين الدولة وتحت إشراف الجهات العليا، ومهمتها الأساسية حماية الأمن الداخلي للمغرب من التهديدات الفعلية، كالإرهاب والجريمة المنظمة والتجسس، وليس التفرغ لترصّد مريض أخرق صار بين عشية و ضحاها رمزاً لـ “الغباء”.

ومن السذاجة الاعتقاد أن جهازاً استخباراتياً بحجم واحترافية “الديستي” يمكن أن يبدّد موارده البشرية واللوجستية في مطاردة شخصيات وضيعة لا تشكل أي تهديد أمني بتاتا، لا داخلياً ولا خارجياً، ناهيك عن أن هذه المديرية لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى ولا في الحياة الخاصة للأفراد، أما إذا كان جيراندو أو غيره يعتقدون أنهم محط اهتمام من طرف “الديستي”، فذلك لا يدل سوى على حالة من التوهم الذاتي، و ليس بالضرورة حقيقة أمنية قائمة.

الأدهى من ذلك أن هذا “السيكوباتي” الذي ينصب نفسه ضحية لمؤامرات كونية، هو في الواقع مذنب متابع قضائياً في ملفات ثقيلة، ويواجه حكماً غيابياً بالسجن لمدة 15 سنة صادرة عن العدالة المغربية، و هو ما لا علاقة له إطلاقاً بـ”الديستي” أو بأي جهاز أمني، بل الأمر مرتبط بأفعال جرمية موثقة أُدين فيها وفق المساطر القانونية. ومع ذلك، يصر على تحويل قضيته إلى دراما هزلية، كأن المغرب، بكل أجهزته ومؤسساته، قد اجتمعوا لتحطيم مسيرته “الاستثنائية” التي لم يسمع بها أحد لولا صياحه المتكرر بكرة و أصيلا عبر منصات التواصل الاجتماعي.

ومهما اعتاد هشام جيراندو على تكرار ذات الخطاب الممل لاستجداء التعاطف أو تضخيم قضيته، و أياً كانت طريقته لحصد التفاعل لحساباته على وسائل التواصل الاجتماعي سواء بهلوسات و فبركات لا أساس لها أو باستغلال عائلته و وطنه، تبقى الحقيقة ثابتة وواضحة لكل من يعرف خلفياته وسيرته.. هشام جيراندو مجرم ومحتال و مبتز.

مشاهدة المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى