أخبار المغربسياسة

تسونامي حملات التشهير والتضليل الرقمي تهددان المؤسسات الأمنية المغربية: فأين تقف النخب السياسية من هذه الفوضى الافتراضية؟

وسط عالم رقمي يتسم بالفوضى والتسارع، تجد المملكة المغربية نفسها في مواجهة حملات تشهير غير مسبوقة تستهدف ركائز أمنها الوطني. هذه الهجمات، التي تتخذ من منصات الإنترنت منبرا لها، لا تقتصر على التشكيك في نزاهة المؤسسات الأمنية، بل تمتد إلى استهداف قياداتها بشكل شخصي، عبر اتهامات ملفقة وروايات بلا سند. الهدف واضح: تقويض الثقة العامة في مؤسسات شكلت على مر السنين درعا لاستقرار البلاد وحضورها الإقليمي.

اللافت للانتباه هو السكون المريب الذي تكتنفه النخب السياسية والحزبية أمام هذا المد التشهيري. في لحظة تاريخية تتطلب التفافا وطنيا حول المؤسسات السيادية، تختار أطراف عديدة الابتعاد عن المشهد، كأن الأزمة لا تمس جوهر الاستقرار الوطني. هذا التردد، الذي يقترب أحيانا من التغاضي، يثير قلقا عميقا: هل فقدت هذه النخب إحساسها بالمسؤولية تجاه حماية الثوابت المؤسساتية؟

تتجسد التناقضات في موقف بعض الجهات التي طالما رفعت راية الإصلاح الأمني والحكامة الرشيدة. هذه الأصوات، التي كانت تطالب بتخليق المرفق العام، تبدو اليوم غائبة عن مواجهة الاتهامات الباطلة التي تستهدف الأجهزة الأمنية. إن هذا الصمت لا يقوض مصداقية الخطاب الإصلاحي فحسب، بل يرسل إشارة خطيرة مفادها أن استهداف المؤسسات قد يجد قبولا ضمنيا، مما يزيد من هشاشة المشهد السياسي.

على الجانب الآخر، تؤدي المؤسسات الأمنية دورها بثبات، من خلال التحقيق في الادعاءات وإحالة المخالفين إلى العدالة، معتمدة على مبدأ سيادة القانون. لكن هذه الجهود، مهما بلغت دقتها، لا يمكن أن تحقق أثرها الكامل دون دعم سياسي واضح ونقاش عام يفصل بين النقد المشروع والتحريض المدمر. فالدفاع عن هيبة المؤسسات ليس ترفا، بل ضرورة لصون الثقة بين الدولة ومواطنيها.

إن استهداف المسؤولين الأمنيين بشكل شخصي يتجاوز الأفراد ليصبح رسالة تهدف إلى زعزعة إيمان الرأي العام بالنظام العام. إذا استمر هذا الصمت السياسي الغريب، فإن تداعياته ستكون وخيمة، ليس فقط على الأجهزة الأمنية، بل على الساحة السياسية التي ستجد نفسها في موقف هش إذا تخلت عن دورها الحمائي. فالدولة، بدورها، مطالبة بحماية صورتها المؤسساتية، ليس فقط عبر القضاء، بل من خلال بناء حوار وطني يعزز الثقة ويتصدى للتضليل.

إن حماية المؤسسات السيادية ليست خيارا سياسيا، بل واجبا وطنيا يتعلق بصمود الدولة. فالأحزاب، بمختلف أطيافها، مدعوة إلى تجاوز الحسابات الضيقة والانخراط في دفاع واضح عن استقرار البلاد، لأن التهاون اليوم قد يفتح الباب أمام أزمات أعمق غدا.

يقف المغرب الآن عند مفترق طرق، حيث يتطلب وعيا جماعيا بأهمية التصدي لهذه الحملات. إن حماية المؤسسات الأمنية ليست مجرد رد فعل إداري، بل مشروع وطني يهدف إلى تعزيز الثقة المتبادلة بين المواطن والدولة. في زمن تتسارع فيه وتيرة التضليل، يبقى التحدي الأكبر هو استعادة زمام المبادرة عبر خطاب سياسي موحد يضع حدا لمحاولات زعزعة الاستقرار، ويؤكد أن المغرب أقوى من أن تهزه الروايات المغلوطة.

مشاهدة المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى