ساخر مغربي : “هروب الكابرانات الأشباح يكشف انهيار النظام العسكري الجزائري من الداخل”

في أروقة السلطة الجزائرية، حيث تتردد أصداء الخطابات الرسمية المتضخمة بالوعود الزائفة، يتسلل اليوم صوت هروب سري يهز أركان النظام العسكري إلى صميمه. هذه المرة مع شخصية أكثر حساسية في هرم الدولة: عبد القادر حداد، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية، المعروف بلقب “ناصر الجن”، حيث أشارت تقارير إعلامية إسبانية موثوقة إلى أن هذا الجنرال الذي يحمل أسرار الدولة في جيبه، قد وصل إلى الأراضي الإسبانية عبر قارب سريع مخصص للهجرة غير النظامية، كأنه لاجئ يفر من ويلات حرب داخلية. هكذا، يتحول الجهاز الأمني الذي كان يُرعب الشعب إلى قصة هروب مذلة، تكشف عن هشاشة النظام الذي يتظاهر بالقوة.
من يصدق أن هذا الهروب العابر للبحر المتوسط، الذي يشبه رحلات “الحراقة” اليائسة للشباب الجزائريين، يأتي من رجل كان يُدعى “اليد السوداء” في أروقة الاستخبارات؟ عبد القادر حداد، الذي ارتبط اسمه بالعشرية السوداء من الاغتيالات والتعذيب والاختطافات، لم يعد يثق في الدولة التي بناها بدماء الآلاف. إنه لم يهرب وحده؛ إنه يحمل معه صناديق الأسرار التي تفضح جرائم النظام العسكري أمام العالم. وفي توقيت يتزامن مع عمليات التمشيط الأمني الواسعة في الجزائر، يبدو الهروب كضربة داخلية مدبرة، أو ربما رد فعل يائس على صراع الأجنحة الذي يمزق الجيش كالسيف الذي يقطع يده.
لكن دعونا نعود خطوة إلى الوراء، إلى تلك الإشاعة الرخيصة التي روجها النظام العسكري الجزائري وذيوله الإلكترونية قبل أيامٍ قليلة فقط. كانوا يزعمون أن المفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية، محمد بريظ، قد هرب إلى الإمارات العربية المتحدة، في محاولة يائسة لتصدير فشلهم الداخلي وتهويم شعبهم بأوهام الاستقرار في الجزائر مقابل الفوضى في المغرب. ففرار “ناصر الجن” يكشف عن الواقع الحقيقي. كل ما يقع في الجزائر، يحاول نظام العسكر تصديره إلى الجار المغربي، لتدجين الجزائريين بأكاذيب الدعاية، وإخفاء الانهيار الداخلي خلف ستار الدبلوماسية العدوانية. إنها استراتيجية الخصم الذي يخاف من مرآة الحقيقة، فيلصقها بغيره ليُطمئن شعبه الذي يئن تحت وطأة البطالة والفقر والقمع.
هذه الواقعة الجديدة أثارت جدلا واسعا داخل الجزائر وخارجها، لا سيما بالنظر إلى رمزية المنصب الذي تولاه حداد، وتوقيت الحدث الذي جاء في ظرفٍ سياسي وأمني شديد الاضطراب. المتابعون للشأن الجزائري يرون في هذه التطورات ليس مجرد حادثة عابرة، بل إشارة إلى تصدع عميق داخل النظام القائم، حيث تتحدث مصادر متعددة – من وسائل إعلام جزائرية مستقلة إلى تقارير دولية – عن صراع حاد بين أجنحة السلطة على النفوذ والسيطرة. هل هو صراع بين “القدامى” الذين يمثلون عصر بوتفليقة، وبين “الجدد” الذين يحاولون إعادة ترتيب الورق؟ أم أنها مجرد محاولة لتصفية حسابات قديمة، تكشف عن فساد يتغذى على موارد الشعب؟ الواضح أن عمليات التمشيط التي باشرتها السلطات الجزائرية مؤخرا في مناطق مختلفة ليست بعيدة عن هذه المستجدات؛ بل قد تكون مرتبطة بشكل مباشر بعمليات الفرار هذه، وما تحمله من أسرار حساسة قد تهدد أمن النظام نفسه.
هذا الوضع يطرح أسئلة حارقة حول مستقبل الاستقرار السياسي في الجزائر، وحول قدرة النظام على احتواء الانقسامات الداخلية. خاصة وأن ظاهرة هروب المسؤولين الرفيعي المستوى لم تعد حالات معزولة، بل تحولت إلى مؤشرات واضحة على أزمة حكم متفاقمة، تتجاوز الجدران العالية لقصر المرادية. إذا كان الشارع الجزائري يعيش منذ سنوات على وقع أزمات متلاحقة سياسية واقتصادية واجتماعية – من انهيار الغاز الذي يُغرق الاقتصاد إلى قمع الحراك الشعبي الذي طالَمَتْ أصداؤه – فإن تهاوي الثقة داخل المؤسسات العليا للدولة يزيد من تعقيد المشهد، ويُغذي المخاوف من تداعيات يصعب التحكم فيها. فكيف لشعب يُجبر على الصمت أن يثق في جيش يفر قادته منه؟ وكيف لدولة تدَّعي السيادة أن تخفي هروبَ “صناديقها السوداء” خلف صمت رسمي مطبق؟
الأحداث الأخيرة تكشف أن الجزائر تعيش مرحلة دقيقة يطغى عليها الغموض والتوتر، وأن فرار شخصيات وازنة من داخل النظام يعكس حجم الأزمة التي تعصف بالبلاد. بين تساؤلات الشارع وقراءات المحللين، يظل المشهد مفتوحا على جميع الاحتمالات، في ظل استمرار صراع الأجنحة وتآكُل الثقة بين مكونات السلطة، ما يجعل المستقبل السياسي للجزائر محفوفا بالمخاطر، ويبعث على القلق أكثر مما يبعث على الاطمئنان.