زاوية الرأي

الفساد، الاحتجاجات والإصلاح

في ظل موجة الاحتجاجات، وعلى قلّتها طبعا لأن هنا لا أتحدث عن الوقفات أو المسيرات التضامنية مع قضايا  أو دول أجنبية، التي تعرفها بلادنا وكذلك الأصوات التي ترتفع على مواقع التواصل الاجتماعي وتدعو المغاربة إلى النزول إلى الشارع يومي السبت والأحد 27/28 شتنبر الجاري من أجل الاحتجاج ورفع شعارات إصلاح التعليم والصحة والمطالبة بعدالة اجتماعية، ارتأيت مناقشة هذه المواضيع وتوضيح مدى تشعبها وتشابكها، بل حتى – وفي مرات عديدة – لا يمكن التفريق فيها بين فاعل ومفعول به، أي بين فاسد ومن يخرج إلى الاحتجاج ومن هو مطالب بتصحيح الوضع. كيف ؟

هل تساءل يوما عاقل من بينكم حول ماهية المفسد (من الفساد) والمحتج (من الاحتجاج) والمصلح (من الإصلاح) ؟

اختصارا، سأقول أنه مواطن مغربي أو مواطنة مغربية مع التركيز على حذف التعريف.

سألونك عن القاضي الفاسد الذي لا يحترم القوانين ويغرق الناس بأحكام ثقيلة ويبرأ مجرمين ويدين أبرياء ويأخذ الرشاوي بعشرات الملايين من السنتيمات أو حتى الدراهم، ويصدر أحكاما باسم جلالة الملك وباسم القانون…، من هو أو هي ؟

أكيد أن هذا القاضي ليس جزائريا أو سوريا أو إيرانيا أو هنديا أو صينيا أو فرنسيا أو صربيا أو غير ذلك من الجنسيات، بل هو مواطن مغربي، يحمل بطاقة وطنية مغربية وجواز سفر أخضر. أكثر من هذا هو أنا أو أنت، أخي أو أختك، ابن خالي أو بنت عمتك، في حالة إن كانت قاضية، هو جاري في الدرب ونقطن في نفس المدينة، يمتلك شقة فوقك في الطابق الرابع، نجلس في نفس المقهى ونتسوق من عند نفس الجزار وتذهبوا، أنت وهو عند نفس الحلاق… يعني هذا القاضي أو القاضية الفاسد (ة) ليسوا بغرباء، بل واحد أو واحدة منا، نتقاسم نفس الأوكسجين ونعيش فوق نفس الوطن، ونؤمن بنفس الثوابت، لكن هو فاسد و هي فاسدة، وقدرنا نحن أن نتجرع مرارة فسادهم.

ويسألونك عن الشرطي الفاسد، الذي يأخذ الرشاوي مقابل التغاضي عن مخالفات أو لعدم تطبيق القانون أو من يظلم مواطن لم يفعل شيء، والذي لا يحترم الزي الرسمي الذي يرتديه والقسم الذي أداه لخدمة الوطن واحترام القوانين الجاري بها العمل… من هو أو من هي؟

الأكيد لن نخرج عن نطاق السياق السابق وسنؤكد أنه وأنها واحدة منا، أختك، زوجتك، ابن عمك، خالك وأب صديقك أو صديقتك. هو قبل أي شيء مغربي مثلك ومثلي، درسنا في نفس المدرسة ونفس الإعدادية ونفس الثانوية، لعبنا الكرة في ساحات أحيائنا وضحكنا، ذهبنا للبحر جميعا وكنا نركب في نفس “الطوبيس”، نسمي زوجته في الدرب بـــ”مرات البوليسي” وتشارك في “دارت” مع أمي وأختك وجارتكم حليمة.

ثم يسألونك عن رئيس الجماعة الفاسد، والبرلماني المرتشي مقابل صفقات، والطبيب الفاسد والممرضة الفاسدة، والموظف الفاسد، والمديرة وغيرهم لأن اللائحة طويلة، من الذين لا يقومون بعملهم على أكمل وجه، بل ويأخذون الرشاوي مقابل عمل، يحصلون مقالبه على رواتب… من هؤلاء أيضا ؟

بالطبع هم ليسوا غرباء أيضا، نفس البطاقة الوطنية ونفس لون جواز السفر، دراسة في نفس المدارس والجامعات، ربما بينهم من سافر للخارج من أجل إكمال دراسته، لكن عاد ليبيع دم وجوف أخيه المغربي وفوق أرض المغرب ويقتطع من لحمه دون رأفة أو رحمة مقابل أشياء من الواجب عليه القيام بها، لكن يفضلون أن تكون التكلفة كبيرة، مقابل تسريع موعد أو غرض أو أي شيء مما نعرفه جميعا، فنحن نتقاسم هواء هذا الوطن ونعرف بعضنا.

ثم يتغاضون عن سؤالك عن ذلك المواطن الفاسد، من هو ؟

طبعا هو ذلك المواطن الذي يصوت على الحاج فريد مقابل 200 درهم، ليحصل الحاج على رئاسة جماعة حضرية لمدة 5 سنوات، يعني اشترى صوته مقابل 40 درهم للسنة الواحدة، ليستنزف من ميزانيتها ويترك الناس بدون ماء ولا كهرباء ولا بنية تحتية أو غير ذلك.

هو نفس المواطن الذي يقوم بمخالفة في الطريق ويفضل أن يرشي شرطي عوض تحمل مسؤولياته وأداء الغرامة القانونية، ويفضل منح 100 درهم لشرطي فاسد مقابل غض البصر عن مبلغ مالي من نصيب خزينة الدولة.

المواطن الفاسد هو من يأخذ زوجته إلى المستشفى ويجد 20 مريضا في غرفة الانتظار، وعوض انتظار دوره يفضل إعطاء رشوة 50 درهما للممرضة من أجل الدخول عند الطبيب قبل المرضى الآخرين.

المواطن الفاسد هو من يمنح رشوة 20 درهم مقابل الحصول حق كشهادة السكنى أو عقد الازدياد.

المواطن الفاسد هو من يرتمي على الملك العمومي ويعتبره حق.

المواطن الفاسد هو من يغش في دراسته ويسأل فيما بعد لماذا لم يحصل على وظيفة.

المواطن الفاسد هو من يجد 5 أشخاص قبله عند البقال، ويأخذ الأسبقية بكل وقاحة. 

ثم يحتجون وينزلون إلى شوارع المملكة والقول لقد تفشى الفساد… لا كلنا نشارك في الفساد وكل منا ودرجة مساهمته فيه.

ونرغب في الإصلاح… أكيد هذا حق مشروع. لكن من سيصلح من ؟

نحن الفساد، ونحن من ينزل إلى الشارع للمطالبة بإصلاح الفساد، وفي الأخير نحن من سيصلح، لأننا لن ننتظر من أمريكي أو نرويجي أو روسي أن يصلح ما أفسدنا، فنحن الإصلاح وكل منا ودرجة مساهمته في الإصلاح.

بعبارة أدق، نحن – المغاربة – الفساد والاحتجاج والإصلاح. 

مشاهدة المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى