قراءة في عملية حد السوالم.. إجهاض للإرهاب في مهده ونجاح أمني يفضح بيئة التطرف الخفية

بينما يواصل المغرب ترسيخ مكانته كأحد أنجح النماذج في مكافحة الإرهاب، تظل التحديات الفكرية والثقافية المرتبطة بالتطرف إحدى العقبات التي تهدد الأمن الوطني.
حادثة تفكيك خلية إرهابية في منطقة حد السوالم ليست مجرد نجاح أمني بارز، بل هي نافذة نطل منها على خطورة البيئة الفكرية الحاضنة للعنف، ودعوة لإعادة النظر في أدوات مواجهة التطرف من جذوره.
وأثبتت الأجهزة الأمنية المغربية مرة أخرى قدرتها على التعامل مع التهديدات الإرهابية بحرفية عالية، حيث تمكنت من إحباط مخطط إرهابي كان على وشك التنفيذ. العملية أسفرت عن اعتقال أربعة عناصر متطرفة، أظهرت التحقيقات ولاءهم لتنظيم “داعش” وتحضيرهم لهجمات باستخدام أسلحة بدائية ومواد كيميائية، مع تحديد أهداف محتملة بعناية.
لكن نجاح هذه العملية لا يمكن اختزاله في البعد الأمني فقط؛ فهو شهادة على العمل الاستباقي الذي يجمع بين جمع المعلومات وتحليلها، مع قراءة دقيقة للتطورات الإقليمية والدولية التي تغذي هذه التهديدات. في المقابل، يبرز سؤال مهم: كيف تستمر هذه الجماعات في تجنيد عناصر جديدة رغم الجهود المبذولة لإضعافها؟
التطرف لا ينمو في فراغ. هناك بيئة فكرية واجتماعية تسهم في تشكيل هذا النوع من التهديد، سواء من خلال خطاب التحريض المباشر أو من خلال التبرير الضمني للعنف. هذه البيئة تتغذى على أزمات سياسية واقتصادية، وأحيانا على استغلال مآسي إنسانية كأحداث الحروب والنزاعات الإقليمية.
في الحالة المغربية، تصاعدت مؤخرًا خطابات الكراهية والتحريض التي أطلقتها بعض الأطراف والتيارات الأيديولوجية، مما وفر حاضنة للتطرف. ومن أخطر هذه الخطابات تلك التي تمجد العمليات الإرهابية وتصورها كـ”رد مشروع”، ما يساهم في تحويل أيديولوجيات العنف إلى وقائع قابلة للتنفيذ.
إلى جانب التحريض، تبرز ظاهرة أخرى لا تقل خطورة، وهي محاولات التشكيك في الجهود الأمنية. هناك أصوات تقلل من أهمية العمليات الأمنية، واصفة إياها بـ”المسرحيات” التي تهدف إلى صناعة إنجازات وهمية. هذا الخطاب ليس فقط مضرًا، بل يعمل على تآكل الثقة بين المواطن ومؤسساته الأمنية، مما يوفر بيئة أكثر أمانا للمتطرفين للعمل دون مواجهة مجتمعية.
خطاب التشكيك هذا يُعد تهديدا مزدوجا؛ فهو يضعف الجبهة الداخلية، ويشجع على استسهال التعامل مع ظاهرة الإرهاب كقضية هامشية أو مفتعلة، في حين أن التهديد حقيقي ويحتاج إلى وعي جماعي لمواجهته.
إن مواجهة الإرهاب لا تقتصر على تفكيك الخلايا أو إحباط المخططات، بل يجب أن تتسع لتشمل مواجهة البيئة الفكرية الحاضنة له. هذه المواجهة تبدأ بقطع الطريق على خطاب التحريض والتشكيك، وتجريم الترويج للعنف بمختلف أشكاله، وصولاً إلى إعادة بناء الوعي المجتمعي على أسس تدعم ثقافة الحوار والتسامح.
عملية حد السوالم ليست مجرد نجاح أمني، بل دعوة لفهم أعمق لجذور التطرف وأدوات انتشاره. الأمن مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود المؤسسات والمجتمع المدني والمواطنين أنفسهم. فالخطر الحقيقي لا يكمن فقط في العناصر الإرهابية، بل في الأفكار التي تمهد الطريق لها. لهذا، فإن القضاء على الإرهاب يبدأ حيث ينتهي التطرف.